الحقّ الحقّ أقول لكم

Archive for ماي, 2011

برلين

في برلين وجدت الأمل الذي اضعته في فلسطين !

هكذا خرجت مني بعفويه هذه الجمله ردا على رد أخي في الفاسبوك خلال وجودي في برلين.(وقصة التواصل عبر الفاسبوك هي موضوع بحد ذاته)

برلين ذلك الجرح الذي ظل يدمي بضع عقود في تاريخ البشريه,  من أين ابدأ في سرد الحكايه,

سأبدأ من نهاية أخرى , أوليست كل النهايات بدايات جديده.

في أواخر أيام هتلر واثناء الهجوم الأخير لقوات الحلفاء من الغرب معززة بالجيش الاحمر من الشرق, تم الزحف الأخير نحو العاصمه الالمانيه. وفي العام 1945 التقت القوتان على انقاض مدينة مهزومه مدمره.

وقد رمز احتلال المدينه اكثر من أي شيئ آخر الى انتهاء النازية مصحوبة بانتحار زعيمها وعشيقته في مخبئه السري بقلب العاصمه.

مدينة من الانقاض واربع قوى كبرى تتقاسم غنائمها,مدينة دمرت حوالي 80 بالمئه من منازلها ومعالمها التاريخيه, مدينة مهزومه, تم اقتلاع الشر منها بنار القنابل.

خرجت برلين من حرب طاحنه الى حرب بارده, تآلفت خلالها فرنسا وبريطانيا وأمريكا من جهه والاتحاد السوفييتي من جهة أخرى.

لتقسم هذه المدينه الى اربع مناطق من حيث المبدأ, والى منطقتين عمليا, لتصبح النقطة الأكثر سخونه في هذه الحرب البارده.

وفي محاولة يائسة لوقف تدفق اللاجئين الهاربين من الشرق الى الغرب. اوعز قيادات الحزب الشيوعي في موسكو الى نظيره في برلين بالعمل على بناء جدار يوقف هروب العقول الى الغرب.

واطل الجدار باربع أجيال متعاقبه ليقطع اوصال هذه المدينه, لقد تم بناء الجدار بأوامر روسيه ومال المانيا الشرقي, وتواطؤ فرنسا بريطانيا وامريكا التي تبلورت كالقوة العظمى الجديده على هذه الكره , وذلك على حساب تقاعد حليفتيها الأخريين.

لقد قامت القوى العظمى بالتكتيكات على حساب تلك المدينه المنتهكه. واستمر ذلك الجدار ثلاثين عاما, كانت مريحة لتلك القوى التي خافت توحد المانيا المرمّزه ببرلين اكثر مما تخاف الطرف الآخر.

ولكن ارادات الشعب فرضت الواقع على الواقع , وانهار الجدار بقوة ارادة الشعوب وبالصدور العاريه للمتظاهرين الذين لم يهابوا الموت حينها وازالوا اللبنات من الجدار بسواعدهم العاريه من السلاح.

وحين تريد الشعوب فانها لا تعرف المستحيل, وفي غضون اقل من عشرين عاما تم اعادة بناء هذه المدينه بطريقة خرافيه, وتم اعادة إنشاء المعالم التاريخيه واحدا تلو الاخر, مدينة تذكر الماضي وتروم المستقبل بل تصنعه كل يوم من جديد, مدينة يسكنها اليوم ثلاثة ملايين ونصف انسان بينهم اكثر من مئتي الف تركي, عدا الاقليات الاخرى.

وها هي برلين الموحدة اليوم ,كتلة من الروعة المعماريه, ومثال المجتمع المدني الذي يخطو قدما , ويحل مشاكله العالقه واحدة تلو الأخرى. مدينة لا تخاف النظر في وجه الماضي والتعلم من أخطائه.

لقد زرعت هذه المدينة فيَّ الأمل من جديد, بِأنّه في احلك الأوقات لا مجال لنا للتوقف عن المحاوله, بانتظار شرارة الحرّيه والتقدم.

لقد انتصر اهل هذه المدينه على القوى العظمى مجتمعه, ليثبتوا انه لا شيئ أقوى من  إرادة الأنسان , وأن الصدر العاري أقوى من الدبابات. وأن الشعوب المتحضره حين تريد شيئا فإنها ستحصل عليه حتما.